المحاسبة ووضوح مسئوليات ومعايير تقييم أداء الموظفين أصل من أصول نجاح الشركات ونموها وتطوير خدماتها. لكنها ليست مهمة بسيطة تنتهي عند تحميل نموذج تقييم موظفين أو تكليف مساعدك بملء النموذج أو الجدول كل شهر. ولتوضيح هذا الأصل والمشكلات التي تحدث خلال تطبيقه سنبدأ المقال بطرح هذا المثال:
“دخل مدير الشركة المكتب غاضبًا متفاجئًا من مستوى فريق المبيعات المنخفض في نهاية الربع الأول من العام. حاول المدير السيطرة على غضبه لكن مشاعره كانت ظاهرة في صوته حين تساءل عن سبب المشكلة. رد محمد -رئيس قسم المبيعات- بأنه لا يرى أن هذه الأرقام منخفضة، بل يرى أن الأرقام الموضوعة في المستهدفات ليست واقعية، وأن ما تحقق معقول. عندها فقد المدير أعصابه.”
يتكرر الموقف باختلاف الأسماء والأماكن، مما يجعل بناء ثقافة المحاسبة والتقييم الصحيح للأخطاء مشكلة شائعة تستحق الاهتمام والتركيز.
فكيف تصحح أخطاء موظفيك؟ ومتى تواجههم بأخطائهم؟ وما هي أهم المبادئ العملية لتطبيق المحاسبة والبناء عليها لتحسين الأداء؟
مفهوم المحاسبة وتقييم الموظفين
المحاسبة وتقييم الموظفين وتصحيح الأخطاء مفهوم محدد وملموس، يُبنى على ما وضع من مستهدفات وقواعد في بداية العمل، ولا ينجح إلا إذا تم بانتظام وعدل.
يؤثر أداء كل موظف على أداء زميله ومديره، ويؤثر أداء الكل على سمعة الشركة وتنافسها في السوق لذلك لا تنجح المحاسبة إلا إن شملت كل العاملين في الشركة من المدير والمالك إلى أصغر الموظفين.
ليست المحاسبة مجرد عملية إلقاء اللوم على موظف معين عند حدوث خطأ، ولا تعني صراخ المدير في وجه المخطئ ولا التلويح باليدين والتهديد بالطرد. المحاسبة والتقييم لا يؤتيان ثمارهما إلا إن كانا مبنيان على ما وضعته أمام الموظف من التزامات وأهداف ولوائح. والغضب في وجه الموظفين يعطيك نتائج عكسية ويضر بتحفيز الموظفين وأدائهم في أغلب الأحيان.
فكيف تضع الأسس لتصحيح أخطاء الموظفين وتغرس فيهم تحمل المسئوليات بفعالية؟
1- الوضوح فيما تتوقعه من الموظفين
أول الخطوات هو الوضوح التام لما تتوقعه من الموظف. والوضوح هنا يشمل ما تريده من نتائج وأهداف، وكيف قياس تحقق هذه النتائج والأهداف، والوسائل الممكنة والمقترحة لإنجاز المطلوب.
لا يقع عبء تحديد هذه الأمور عليك وحدك، بل تزيد جودة هذه العناصر بالنقاش وأخذ اقتراحات الموظفين وأفكارهم، وكلما كان موظفوك مميزين وماهرين، كلما زادت جودة أفكارهم واستراتيجياتهم المقترحة لتحقيق المستهدفات.
ناقش الأهداف ومؤشرات النجاح واستراتيجيات العمل مع الموظفين واستعن بآرائهم، لكن لا تتوقف عند ذلك. أبلغ الموظفين بنتائج النقاش وضع هذه النتائج في مستند مكتوب يستطيع جميع الموظفين المعنيين الوصول إليه.
2- هل كلفت الموظف المناسب للمهمة؟
قبل الانتقال إلى مرحلة التقييم، اسأل نفسك هذه الأسئلة في كل مهمة تكلف الموظفين بها:
- هل يمتلك الموظف المهارات المطلوبة لأداء هذه المهمة وتحقيق المطلوب؟
- ما هي الوسائل والموارد التي يحتاجها الموظف لينجح؟
- إذا افتقد الموظف لبعض المهارات، هل يمكنه اكتسابها؟ وكيف يمكنه اكتسابها؟
تأكد أنك قد كلفت كل موظف بمهام تناسب مهاراته والموارد المتاحة له، حتى لا تكون سبب فشله في تحقيق المطلوب.
3- الوضوح في طريقة قياس وتقييم أداء الموظف
لا شيء أصعب على المدير من التفاجؤ بالفشل. قد تشمل أسباب وقوع الفشل كمفاجأة خجل الموظف من طلب المساعدة، أو التفاؤل المبالغ فيه من المدير والموظف معًا. قد يظن البعض أن حدوث الفشل المفاجئ حتمي في بعض الحالات لكنه ليس كذلك، بل يمكن تجنبه بوضوح منذ البداية عبر وضع معايير واضحة وواقعية لتقييم النجاح في أداء المهمة.
منذ البداية وخلال النقاش مع الموظفين، ضع أهدافًا أسبوعية فرعية في الطريق إلى الهدف الرئيسي. وخلال تنفيذ المهمة راجع هذه الأهداف وتدخل لتصحيح المسار في حالة حدوث أخطاء.
4- الوضوح عند إعطاء التوجيهات وتصحيح الأخطاء
ناقشنا في الفقرات السابقة تهيئة الموظف لأداء مهمته وتعريفه بكيفية قياس الأداء وعلامات النجاح أو الفشل. فماذا عن طريقة التوجيه وتصحيح الأخطاء بعد حدوثها؟
لتنجح توجيهاتك في تحقيق المراد منها تحتاج إلى عوامل أربعة:
- الأمانة والصدق بناء على ما تم الاتفاق عليه من معايير التقييم منذ البداية.
- الانفتاح لسماع رأي الموظفين ونقاش التوجيهات وكيفية تحسين الأداء والمهارات، وما يمكن أن يراه الموظف من ملاحظات على أداء المدير ودوره.
- التوجيه المستمر عبر متابعة الأهداف الفرعية الأسبوعية.
- الاختيار الذكي لوقت إعطاء التوجيهات، فتصحيح الأخطاء يجب أن يكون عند حدوثها أو بعد حدوثها بوقت قليل. والشركات التي تقيم أداء موظفيها بشكل سنوي فقط تجعل عملية التوجيه بلا معنى وتُشعر الموظفين بالظلم والترصد لأنهم لا يذكرون الأخطاء.
5- وضوح عواقب التقييم
إذا كنت واضحا ومتقنًا لكل المبادئ العملية السابقة، فقد فعلت ما عليك لدعم الموظفين وتسهيل مهامهم. خطوتك التالية هي دراسة مسارات ما بعد التقييم ووضع قواعد للثواب والعقاب تراعي العدل والشفافية.
للقيام بذلك لديك كمدير مسارات ثلاثة يمكنك الاختيار منها:
- تكرار العمل على الخطوات السابقة وتطويرها إذا تعثر الموظف واحتاج المساعدة، أو لاحظت غموضًا في أحد جوانب عملية التقييم.
- مكافأة الموظف إذا اجتهد وحقق المطلوب. وللمكافأة وسائل متعددة منها المدح العلني والترقية والحوافز المادية.
- طرد الموظف إذا فشل رغم كل ما قمت به من خطوات عملية لتمكينه من النجاح.
هذه هي الأركان الخمسة لبناء ثقافة المحاسبة والتصحيح الفعال للأخطاء في شركتك. تجتمع هذه الأركان لتكون نظامًا مترابطًا لا يعمل فيه ركن منعزلًا عن الآخر. لذلك لا بد من الحرص على ضبط كل الخطوات وإلا فشلت جهودك لتحسين الأداء وتصحيح الأخطاء.
أهم الأخطاء الشائعة عند تقييم الموظفين وكيف تتجنبها
هذه 4 أفخاخ يقع فيها أغلبنا عند تقييم أداء الموظفين دون أن نشعر.
- الفخ الأول: الاكتفاء بمقارنة أداء الموظف في فترة ما بأداء نفس الموظف في فترة سابقة
- كيف تتجنب الفخ: قيّم أداء موظفك بناء على عوامل متوازنة منها: المستهدفات التي كلفت الموظف بتحقيقها، وأداء الموظفين الآخرين، وخبرتك ومعرفتك بمتطلبات الدور.
- الفخ الثاني: الاكتفاء بالنظر للوراء
- كيف تتجنب الفخ: لا تقيم الماضي فقط، بل حلل أداء الموظف لتقيم قدرته على تحسين أداءه المستقبلي. استخدم الماضي لتتعرف على قدرة الموظف على حل المشكلات وابتكار الحلول والمبادرة وسرعة التعلم.
- الفخ الثالث: الاعتماد على الأرقام وحدها
- كيف تتجنب الفخ: العمل الجماعي، والتواصل المحترف، والمبادرة لمساعدة الآخرين جوانب لها نفس أهمية عدد ساعات العمل، والحضور في الموعد، وعدد المنتجات المباعة، وغيرها من المقاييس الكمية. لا تهمل الجوانب التي لا تقيسها الأرقام.
- الفخ الرابع: الاعتماد على نفس المقاييس والمؤشرات لفترات طويلة
- كيف تتجنب الفخ: السوق يتغير وموظفك مطالب بمواكبة هذه التغيرات والوصول لمستهدفات أعلى. دورك أن توفر له التوجيه والتدريب ليطور مهاراته وأن تواكب ذلك بتطوير معايير التقييم باستمرار.